السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرّحمن الرّحيم
هل صحيح أنّ " كلُّ شيءٍ في الدّينِ حرامٌ !! " ؟؟
اعجبنى فنقلته لكم
كبُرَت تلكَ الفتاةُ الصغيرة، وما عادت صغيرة !! " أمّاه .. أريدُ أن أُهذّبَ حاجبايَ !! "
صُعِقْتُ حقّاً لطلبِها، فكلّما سنحتِ الفرصةُ، كنتُ أخبرها عن نمص الحواجب، وعن لعنِ رسولنا صلى الله عليهِ وسلّم للنّامصة والمتنمّصة (1)، ولم أجد في صدري غير صوتٍ يقول " ليتَ أنّ صغيرتي بقيت صغيرة " !!
-استغفرتُ ربّي ثلاثاً، " بُنيّتي .. هل تَعينَ ما تقولين ؟! "
-نعم أمّاه .. أريدُ أن أُهذّبَ حاجبايَ ..
-ألم نتحدّث مُطوّلاً عن هذا الموضوع ؟!
-بلى .. ولكن .. أنا لا أُحبُّ شكلي هكذا يا أمّي ..
-حسناً بُنيّتي .. ولكن اصدُقيني ... أنتِ لا تُحبّين شكلكِ، أم أنّ صديقاتِك لا يحببنه ؟!
-جميعنا يا أمّاه ..
-ألم تُخبريهم أن رسولنا صلى الله عليه وسلّم نهى عن النّمص ؟
-ومن قال نمص يا أمّي .. أنا أقول .. " تهذيب " !!
-ألستِ ترَيْنَ التّهذيب بالإزالة ؟؟ ألن تزيلي بعضاً من شعر الحاجب لتهذّيبه ؟!
-نعم ... ؟؟!!
-إذن هذا نمص !
-وماذا يعني ؟! أُفْ ... كلُّ شيءٍ حرام ؟!
-لا بُنيّتي .. هُنا فلنقِف ..!!
نظرتُ إليها نظرةَ المُشفِقة على حالها، فقد علِمتُ أنّ قلبها تشرّبَ هذه الفتنة، فمسحتُ بيميني على شعرِها واستطردْتُ قائلةً بِلطْفٍ وحنانٍ : دعيني أسألُكِ .. هل يحرُمُ علينا شرب الماء ؟
-أمّــــــي .. لا .. ولكن ما علاقةُ الماء في الموضوع ، أنا أريدُ ...
-كفاكِ حبيبتي .. أعلمُ ما تُريدين، ولكن .. أيُّ نظريّةٍ في الدّنيا هي إمّا صحيحةٌ حتّى يثبتُ خطأُها، وإمّا خاطئةٌ حتّى تثبتُ صحّتُها .. وإذا كانت نظريّتُك أو بالأحرى نظريةُ صديقاتك - بأنّ كل شيء في الدّين حرام - صحيحةً، فها قد نقدناها وأثبتنا خطأها بوجودِ شيءٍ واحدٍ - على الأقل - حلال ! وأنتِ تعرفين أن الحلال كثير .. ولكنّ ذوي النّفوس الضّعيفة، لا يسألُونَ إلا عن الحرام، ولا يرغبُون إلا في الحرام، فيُصبحُ كلّ شيءٍ في عيونهم حراماً .. ليس لأنّ الأمر كذلك .. ولكن لأنّهم لا يهتمّون إلا بالحرام ..
فبدلاً من أن يكتفوا بما أحلّ اللهُ سبحانه وتعالى، فهم يتجاوزون ذلك إلى ما حرّمه اللهُ ..
-كيف يا أمّي ؟
-دعينا نتكلّم عن شيءٍ سهلٍ وبسيطٍ، مثلاً الصّبغة، هل يجوز صبغ الشّعر أو لا ؟ إنّ الله سبحانه وتعالى لم يُحرّم هذا الأمر، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحلّه وأجازه وأمر به ؛ فهو من بابِ مخالفة اليهودِ والنّصارى، فقال " إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ " (2)، ولم ينهَ إلا عن الصّبغ باللون الأسود، فأجاز ما دون ذلك، فقد رُوِيَ أنّه قد " أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ " (3)، إذن لدينا هُنا أمران يحلان وأمرٌ واحدٌ يحرم، فأمّا ما يحلّ فهو ؛ الصّبغ، الصّبغ بما هو دون الأسود، وأمّا ما يحرم فهو الصّبغ بالسّواد، ولكنّ ذوي النّفوس الضّعيفة لا يروْنَ إلا أنّه يحرم الصّبغ باللون الأسود, ولا يرون ما يحلّ دون ذلك، وكأنّهم لا يستمتِعونَ إلا بما حرّم اللهُ ! ..
مثالٌ آخرٌ؛ لقد حرّم اللهُ سبحانه وتعالى الزّنا فقال { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [ آية 32 / الإسراء ]، وأحلّ في المقابل الزّواج فقال { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } [ آية 3 / النساء ]، بل إنّ الزّواجَ سنّةُ الأنبياءِ الأوّلين، وسنّةُ خاتم النبيّين، فأمَرَ به حيث قال " مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " (4)، فهُنا حرّم الله شيئاً وأحلّ آخراً، ولا تخْفى علينا علّةُ التّحريم ولا علّةُ الحلّ ..
فكيفَ بنا ندّعي بأنّ كلّ ما في ديننا حرام ؟! ألا توافقيني الرّأيَ في أنّ هذا الكلام لا ينبغي أن يصدرَ عن مسلمٍ عاقلٍ ؟!
-حقّاً يا أمّاه .. صدقتِ ..
شعرتُ بالسّرور لجوابها، فابتسمتُ واستطردتُ قائلةً :
-وإذا عُدنا لمسألة تهذيب الحاجب، فسأقول لكِ أمراً بسيطاً، إذا كان النّمصُ حراماً، فلا بُدّ أنّ هناك ما يحلُّ لنا فعله، ونستطيع أن نصل إلى نتيجةٍ مُرضيةٍ لنا دون أن نعصيَ ربّنا ..
-حقّاً أمّاه ؟؟ كيف ؟!
-تشقيرُ الحاجب ... أيْ صبغ جزء من الحاجب بلون البشرة، أعتقدُ أنّ هذا حلّ مناسب نبّهنا إلى إجازَتِهِ علماؤنا جزاهم الله عنّا كلّ خيرٍ ونفعّنا الله بعلمهم ..
-جميلٌ إذن ...
-بنيّتي .. إنّ الله سبحانه وتعالى مدَحَ المؤمنين بقوله { آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [ آية 285 / البقرة ]، فمدَحهم بالسّمع والطّاعة، أيْ أنّهم يسمعون الأمر فيتّبعونه، ويسمعون النّهي فيجتنبونه، وذمّ الكفّار بقوله { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ آية 93 / البقرة ]، فذمّهم بالعصيان بعدما جاءهم موسى عليه السّلام بالبيّنات، فأيُّ الحزبين نحن ؟ حزبُ المؤمنين الذين يطيعون الله ورسوله، ومن ثمّ يستحقّون حبّ الله عزّ وجل { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ آية 31 / آل عمران ]، أم حزبُ الكفّار الذين يكفرون بما آتاهمُ اللهُ من الهّدى والبيّنات، فيستحقّون لعنةَ اللهِ والملائكةِ والنّاس أجمعين، قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ آية 161 / البقرة ] ؟؟
-أمّاه ... نسألُ اللهَ أن يجيرنا ويحمينا .. ولكن، هل يوصِلُ النّمصُ إلى النّار حقّاً ؟!
-لقدِ استحقّتِ النّامصةُ والمتنمّصةُ لعنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فهل تريْنَ أن خروجَكِ من رحمةِ الله أمراً هيّناً ؟ وإذا خرجتِ من رحمتِهِ، فبأيّ شيءٍ تدخُلينَ الجنّة ؟! وهلْ ندخلها بعملنا أم برحمةِ الله فينا ؟! ألم تسمعي قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيثُ قال " لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟؟ قَالَ : وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ " (5).
-صدقتِ يا أمّاه .. أسألُ اللهَ أن يغفرَ لي جهلي، وأن يهديَ صديقاتي إلى الحقّ ..
-لقد نجحت صديقاتُكِ في أن يُقنِعْنَكِ بالنَّمَص، فغيّرنَ اسمَهُ ليُجَمِّلوهُ لكِ، أفلا تُحاولينَ أن تُبعديهنّ عن هذا الفِعْل ؟ ولا تنسيْ أجرَكِ عند الله سبحانه وتعالى، حيثُ بشّرنا به نبيُّنا صلى الله عليه وسلّم بقوله " فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ " (6).
-سأفعلُ - بإذن الله - يا أمّاه، وهذه المرّة لن أسمحَ لإحداهنّ أن تؤثّر على تفكيري، فالله سبحانه وتعالى خلقني هكذا، وأنا راضيةٌ عن نفسي كما خلقنيَ الله، فمهما فعلتُ لن أُصبحَ أجمل بحال غير حاليَ هذا .. فالحمدُ الله الذي خلق الإنسان فأحسن خلقه.
-صدقتِ عزيزتي، فقد قال ربُّنا جلّ وعلا { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ آية 4 / التين ]، أسألُ اللهَ أن يُثبّتكِ على طاعتِهِ حبيبتي..
-اللهمّ آمين، اللهمّ آمين ... اللهمّ أعِنّا على ذكركَ وشكركَ وحُسنِ عبادتِكَ ، { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [ آية 8 / آل عمران ]..
-باركَ الله فيكِ بُنيّتي..
شعرتُ بسعادةٍ عارمةٍ شرحت لي صدرها، ووجدتُ صارِخاً في داخلي يقولُ " حمداً لله أن كبرت صغيرتي " طبعتُ قُبلةً على جبهَتها، عانقتُها وسمعتُها تهمسُ بأذني، " كم أحبّكِ يا أمّي، ليتَ أنّ جُلّ صديقاتي مثلك ... ".
ضممتُها إلى صدري أكثر وقُلتُ لها : أنا أيضاً أُحبُّكِ يا حبيبتي ..
.. اللهمّ اجعل عملنا هذا صالحاً، ولوجهكَ خالصاً، ولا تجعل فيه لأحدٍ غيركَ شيئاً ..